فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)}.
قوله تعالى: {بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْرًا} فيه أوجهٌ:
أحدُها: أنَّ الأصلَ بَدَّلوا شكرَ نعمةِ الله كفرًا، كقوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] أي: شُكر رزقكم، وَجَبَ عليهم الشكرُ فوضَعُوا موضعَه الكفرَ.
الثاني: أنهم بدَّلوا نفسَ النعمةِ كفرًا، على أنهم لمَّا كَفَروها سُلِبوها، فبَقُوا مَسْلوبِي النعمةِ موصوفين بالكفر حاصلًا لهم. قالهما الزمخشري. قلت: وعلى هذا فلا يُحتاج إلى حَذْفِ مضاف على هذا، وقد تقدَّم أن بَدَّلَ يتعدَّى لاثنين، أَوَّلُهما من غير حرف، والثاني بالباء، وأن المجرورَ هو المتروكُ، والمنصوبَ هو الحاصلُ، ويجوز حَذْفُ الحرفِ، فيكونُ المجرورُ بالباءِ هنا هو {نعمة} لأنها المتروكةُ. وإذا عَرَفْتَ هذا عَرَفْتَ أنَّ قولَ الحوفيِّ وأبي البقاء أنَّ {كفرًا} هو المفعولُ الثاني ليس بجيدٍ؛ لأنه هو الذي يَصِل إليه الفعل بنفسِه لا بحرف الجر، وما كان كذا فهو المفعولُ الأول.
{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)}.
قوله تعالى: {جَهَنَّمَ}: فيه ثلاثة أوجهٍ، أحدُها: أنه بدلٌ من {دارَ}. الثاني: أنه عطفُ بيانٍ لها. وعلى هذين الوجهين فالإِحلالُ يقع في الآخرة. الثالث: أَنْ يَنْتَصِبَ على الاشتغال بفعلٍ مقدَّر، وعلى هذا فالإِحلالُ يقع في الدنيا، لأنَّ قوله: {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} واقعٌ في الآخرة.
ويؤيِّد هذا التأويلَ قراءةُ ابن أبي عبلة {جهنمُ} بالرفع، على أنها مبتدأٌ، والجملةُ بعدها الخبرُ. وتحتمل قراءةُ ابن أبي عبلة وجهًا أخرَ: وهو أن يرتفعَ على خبرِ ابتداءٍ مضمر، و{يَصْلَوْنها} حالٌ: إمَّا مِنْ {قومَهم}، وإمَّا مِنْ {دارَ}، وإمَّا مِنْ {جهنمَ}. وهذا التوجيهُ أَوْلى من حيث إنه لم يتقدَّمْ ما يرجِّح النصبَ، ولا ما يَجْعلُه مساويًا، والقرَّاءُ الجماهيرُ على النصبِ، فلم يكونوا ليتركُوا الأفصحَ، إلاَّ لأن المسألة لَيستْ من الاشتغالِ في شيءٍ. وهذا الذي ذكرتُه أيضًا مُرَجِّح لنصبهِ على البدليَّة أو البيانِ على انتصابِه على الاشتغال.
والبَوارُ: الهَلاكُ، قال الشاعر:
فلم أرَ مثلَهُم أبطالَ حربٍ ** غداةَ الرَّوْعِ إذ خِيْفَ البوارُ

وأصلُه من الكَسادِ، كما قيل: كَسَد حتى فَسَد، ولَمَّا كان الكسادُ يؤدي إلى الفسادِ والهلاكِ أُطْلِقَ عليه البَوار. ويقال: بار يَبُورُ بَوارًا وبُورًا، ورجل حائرٌ بائرٌ، وقوله تعالى: {وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12] يحتمل أن يكونَ مصدرًا وُصِفَ به الجمعُ، وأن يكونَ جمع بائر في المعنى. ومِنْ وقوعِ بُور على الواحد قوله:
يا رسولَ المَليكِ إنَّ لساني ** راتِقٌ ما فَتَقْتُ إذ أنا بُوْرُ

أي: هالِكٌ.
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}.
قوله تعالى: {لِّيُضِلُّواْ}: قرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا: {وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لِّيَضِلُّواْ} بفتح الياء، والباقون بضمِّها، مِنْ أَضَلَّه. واللامُ هي لامُ الجرِّ مضمرةً أنْ بعدها، وهي لامُ العاقبةِ لمَّا كان مآلُهم إلى كذلك. ويجوز أن تكونَ للتعليل. وقيل: هي مع فتحِ الياءِ للعاقبةِ فقط، ومع ضمِّها محتملةٌ للوجهين، كأنَّ هذا القائلَ تَوَهَّم أنهم لم يجعلوا الأندادَ لضلالِهم، وليس كما زَعَم؛ لأنَّ منهم مَنْ كفر عنادًا، واتخذ الآلهةَ ليضلَّ بنفسِه.
قوله: {فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار} {إلى النارِ} خبرُ {إنَّ}. والمصير مصدرٌ ل صار التامة، أي: فإنَّ مرجعَكم كائن إلى النار. وأجاز الحوفيُّ أَنْ يتعلقَ {إلى النار} بـ: {مصيرَكم}. وقد ردَّ هذا بعضُهم بأنه لو جعلناه مصدرًا صار بمعنى انتقل، و{إلى النار} متعلقٌ به، بقيَتْ {إنَّ} بلا خبر، لا يقال: خبرُها حينئذ محذوفٌ؛ لأنَّ حَذْفَه في مثل هذا يَقِلُّ، وإنما يكثرُ حَذْفُه إذا كان الاسمُ نكرةً: والخبرُ ظرفًا أو جارًّا كقوله:
إنَّ مَحَلًا وإنْ مُرْتَحَلا ** وإنَّ في السَّفْرِ ما مَضَى مَهَلا

. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)}.
وضعوا الكفران محل الشكر، فاستعملوا النعمة للكفر، بدلًا من استعمالها فيما كان ينبغي لها من الشكر. واستعمال النعمة في المعصية من هذه الجملة، فأعضاءُ العبد كلها نِعَمٌ من الله على العبد، فإذا استعمل العاصي بَدَنَه في الزَّلة بدلًا من أن يستعملها في الطاعة فقد بَدَلَّ النعمة كفرًا، وكذلك إذا أودع الغفلَة قلبَه مكانَ المعرفة، والعلاقَة فيه مكان الانقطاع إليه، وعلَّقَ قلبه بالأغيار بَدَلَ الثقة به، ولَطَّخَ لسانَه بذكر المخلوقين ومَدْحِهِم بَدَلَ ذكرِ الله واشتغل بغير الله دون العناء في ذكره... كلُّ هذا تبديلُ نِعَمِ الله كفرًا. وإذا كان العبدُ منقطعًا إلى الله، مكفيًا من قِبَلِ الله... وَجَدَ في فراغه مع الله راحةً عن الخَلْق، ومن إقباله عليه- سبحانه- كفاية، فإذا رجع إلى أسباب التفرقة، ووقع في بحار الاشتغال ومعاملة الخلْق ومدحهم وذمهم ققد أحلَّ قومه دار البوار؛ على معنى إيقاعه قلبَه نَفْسَه وجوارحَه في المذلة من الخَلْق، والمضرة في الحال، وشأنه كما قيل:
ولم أَرَ قَبْلي مَنْ يُفَارِقُ جَنَّةً ** ويقرع بالتطفيل بابَ جهنمِ

{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)}.
وهي الجحيم المُعجَّل... وعذابُها بها الفُرْقَة لا الحُرْقَة.
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}.
رضوا بأن يكون معمولُهم معبودَهم، ومنحوتُهم مقصودَهم، فضلُّوا عن نَهْجِ الاستقامة، ونأوا عن مقر الكرامة وسيلقون غِبَّ ما صنعوا يوم القيامة كما قيل:
قد تركناكَ والذي تريد ** فعسى أن تَمَلَّهُم فتعودا

قل تمتعوا أيامًا قليلة فأيام السرور قِصارٌ، ومُتَعُ الغفلة سريعة الانقضاء. اهـ.

.تفسير الآية رقم (31):

قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر كفرهم وضلالهم عن السبيل وما أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن يقول لهم، وكان ذلك محركًا لنفس السامع إلى الوقوف على ما يقال لمن خلع الأنداد وكان أوثق عرى السبيل بعد الإيمان وأعمها الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر، والنفقة الشاملة لوجوه البر، أمره تعالى أن يندب أولياءه إلى الإقبال إلى ما أعرض عنه أعداؤه، والإعراض عما أقبلوا بالتمتع عليه من ذلك، فقال: {قل لعبادي} فوصفهم بأشرف أوصافهم، وأضافهم إلى ضميره الشريف تحبيبًا لهم فيه، ثم أتبع هذا الوصف ما يناسبه من إذعانهم لسيدهم فقال: {الذين آمنوا} أي أوجدوا هذا الوصف.
ولما كان قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسن قول، فهو جالٍ لصدأ القلوب، وموجب لتهذيب النفوس، قال جازمًا: {يقيموا الصلاة} التي هي زكاة القوة وصلة العبد بربه {وينفقوا} وخفف عنهم بقوله: {مما رزقناهم} أي بعظمتنا، فهو لنا دونهم، من أنواع النفقات المقيمة لشرائعه من الصدقات وغيرها، إتقانًا لما بينهم وبينه من الأسباب لينقذوا أنفسهم من النار، واقتصر على هاتين الخلتين لأنه لم يكن فرض في مكة غيرهما مع ما تقدم من فضلهما وعمومهما، ولعله سيق سياق الشرط تنبيهًا لهم على أن مجرد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقوى الأسباب فيجب عليهم ألا يتخلفوا عنه أصلًا؛ ثم أشار إلى المداومة على هاتين الخصلتين بقوله: {سرًا وعلانية} ويجوز أن يراد بالسر النافلة، وبالعلانية الفرض؛ ثم رهب من تهاون في خدمته من اليوم الذي كان الإعراض عنه سبب الضلال، فقال مشيرًا بالجار إلى قصر مدة أعمالهم: {من قبل أن يأتي يوم} أي عظيم جدًا ليس هو كشيء من الأيام التي تعرفونها {إلا بيع فيه} لأسير بفداء {ولا خلال} أي مخالات وموادات يكون عنها شفاعة أو نصر، جمع خلة كقلة وقلال، أو هو مصدر، وذلك إشارة إلى أنه لا يكون شيء منهما سببًا لخلاص هالك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}.
اعلم أنه تعالى لما أمر الكافرين على سبيل التهديد والوعيد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر المؤمنين في هذه الآية بترك التمتع بالدنيا والمبالغة في المجاهدة بالنفس والمال، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حمزة والكسائي {لِّعِبَادِىَ} بسكون الياء، والباقون: بفتح الياء لالتقاء الساكنين فحرك إلى النصب.
المسألة الثانية:
في قوله: {يُقِيمُواْ} وجهان: الأول: يجوز أن يكون جوابًا لأمر محذوف هو المقول تقديره: قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا.
الثاني: يجوز أن يكون هو أمرًا مقولًا محذوفًا منه لام الأمر، أي ليقيموا كقولك: قل لزيد ليضرب عمرًا وإنما جاز حذف اللام، لأن قوله: {قُلْ} عوض منه ولو قيل ابتداء يقيموا الصلاة لم يجز.
المسألة الثالثة:
أن الإنسان بعد الفراغ من الإيمان لا قدرة له على التصرف في شيء إلا في نفسه أو في ماله.
أما النفس فيجب شغلها بخدمة المعبود في الصلاة وأما المال فيجب صرفه إلى البذل في طاعة الله تعالى.
فهذه الثلاثة هي الطاعات المعتبرة، وهي الإيمان والصلاة والزكاة وتمام ما يجب أن يقال في هذه الأمور الثلاثة ذكرناه في قوله تعالى: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} [البقرة: 3].
المسألة الرابعة:
قالت المعتزلة: الآية تدل على أن الرزق لا يكون حرامًا، لأن الآية دلت على أن الإنفاق من الرزق ممدوح، ولا شيء من الإنفاق من الحرام بممدوح فينتج أن الرزق ليس بحرام.
وقد مر تقرير هذا الكلام مرارًا.
المسألة الخامسة:
في انتصاب قوله: {سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} وجوه: أحدها: أن يكون على الحال أي ذوي سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين.
وثانيها: على الظرف أي وقت سر وعلانية.
وثالثها: على المصدر أي انفاق سر وانفاق علانية والمراد إخفاء التطوع وإعلان الواجب.
واعلم أنه تعالى لما أمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة قال: {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خلال} قال أبو عبيدة: البيع هاهنا الفداء والخلال المخالة، وهو مصدر من خاللت خلالًا ومخالة، وهي المصادقة.
قال مقاتل: إنما هو يوم لا بيع فيه ولا شراء ولا مخالة ولا قرابة، فكأنه تعالى يقول: أنفقوا أموالكم في الدنيا حتى تجدوا ثواب ذلك الإنفاق في مثل هذا اليوم الذي لا تحصل فيه مبايعة ولا مخالة.
ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة البقرة: {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شفاعة} [البقرة: 254].
فإن قيل: كيف نفى المخالة في هاتين الآيتين، مع أنه تعالى أثبتها في قوله: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67].
قلنا: الآية الدالة على نفي المخالة محمولة على نفي المخالة بسبب ميل الطبيعة ورغبة النفس، والآية الدالة على ثبوت المخالة محمولة على حصول المخالة الحاصلة بسبب عبودية الله تعالى ومحبة الله تعالى، والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصّلاة وينفقوا مما رزَقناهم سِرًّا وعلانية}.
فيه وجهان:
أحدهما: يعني بالسر ما خفي، وبالعلانية ما ظهر، وهو قول الأكثرين.
الثاني: أن السر التطوع، والعلانية الفرض، قاله القاسم بن يحيى.
ويحتمل وجهًا ثالثًا: أن السر الصدقات، والعلانية النفقات.
{مِنْ قبل أن يأتي يومٌ لا بَيْعٌ فيه ولا خلالٌ} فيه تأويلان:
أحدهما: معناه لا فِدية ولا شفاعة للكافر.
الثاني: أن معنى قوله: {لا بيع} أي لا تباع الذنوب ولا تشتري الجنة. ومعنى قوله: {ولا خِلال} أي لا مودة بين الكفار في القيامة لتقاطعهم.
ثم فيه وجهان:
أحدهما: أن الخلال جمع خلة، مثل قِلال وقُلّة.
الثاني: أنه مصدر من خاللت خِلالًا، مثل قاتلت قِتالًا. ومنه قول لبيد:
خالت البرقة شركًا في الهدى ** خلة باقية دون الخلل

. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}.
العباد جمع عبد، وعرفه في التكرمة بخلاف العبيد. وقوله: {يقيموا} قالت فرقة من النحويين: جزمه بإضمار لام الأمر على حد قول الشاعر: الوافر:
محمد تفد نفسك كل نفس

أنشده سيبويه- إلا أنه قال: إن هذا لا يجوز إلا في شعر. وقالت فرقة: أبو علي وغيره- هو فعل مضارع بني لما كان في معنى فعل الأمر، لأن المراد: أقيموا، وهذا كما بني الاسم المتمكن في النداء في قولك: يا زيد لما شبه بقبل وبعد، وقال سيبويه: هو جواب شرط مقدر يتضمنه صدر الآية، تقديره: إن تقل لهم أقيموا يقيموا.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون جواب الأمر الذي يعطينا معناه قوله: {قل}، وذلك أن يجعل {قل} في هذه الآية بمعنى: بلغ وأد الشيعة يقيموا الصلاة، وهذا كله على أن المقول هو: الأمر بالإقامة والإنفاق. وقيل إن المقول هو: الآية التي بعد، أعني قوله: {الله الذي خلق السماوات}.
والسر: صدقة التنقل، والعلانية المفروضة- وهذا هو مقتضى الأحاديث- وفسر ابن عباس هذه الآية بزكاة الأموال مجملًا، وكذلك فسر الصلاة بأنها الخمس- وهذا منه- عندي- تقريب للمخاطب.
و{خلال} مصدر من خلل: إذا واد وصافى، ومنه الخلة والخليل وقال امرؤ القيس: الطويل:
صرفت الهوى عنهن من خشية الردى ** ولست بمقلي الخلال ولا قال

وقال الأخفش: الخلال جمع خلة.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر: {لا بيع ولا خلال} بالرفع على إلغاء {لا} وقرأ أبو عمرو والحسن وابن كثير: {ولا بيعَ ولا خلالَ} بالنصب على التبرية، وقد تقدم هذا. والمراد بهذا اليوم يوم القيامة. اهـ.